Translate

هل تتحقق المساواة بعد مئة عام؟

ذكر تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الامم المتحدة الإنمائي الأسبوع الفائت "ان عدم المساواة بين الجنسين هو احد اكبر العوائق التي تحول دون التنمية البشرية". واليوم، صدر مؤشر الفجوة بين الجنسين العالمي للعام ٢٠١٩-٢٠٢٠ عن منتدى الاقتصاد العالمي بعنوان " انتبه لفجوة المئة عام بين الجنسين". وبالرغم من ان التقرير لحظ تقدما على المستوى العالمي في اغلاق الفجوة الجندرية بين الجنسين التي قدرت العام الفائت ب١٠٨ سنوات لتصبح هذا العام ٩٩،٥ سنوات، فان العالم مازال يحتاج الى قرن من الزمن لتتساوى النساء والرجال.

السياسة والتمكين، المشاركة الاقتصادية وفرص العمل، التعليم، والصحة والبقاء، هي الفئات الأربعة الأساسية التي يبنى عليها المؤشر معتمدا على تصنيف معلومات من ١٥٣ دولة. احتل لبنان بموجبها المرتبة ١٤٥، بتراجع ٥ مرتبات عن العام الفائت بسبب عدم مواكبة التقدم الذي شهدته العديد من الدول وخاصة على صعيد المشاركة السياسية والاقتصادية.

فقد ساهم تحسن التمثيل السياسي للنساء عالميا في تسريع عملية التقدم هذه، بالرغم من ان الساحة السياسية هي البعد الأسوأ أداءً حيث تشغل النساء ٢٥٪ من المقاعد البرلمانية و٢١٪ من المناصب الوزارية وفق تقرير للاتحاد البرلماني الدولي للعام ٢٠١٩. وقد احتل لبنان المرتبة ١٤٩ وهو من ضمن الاسوأ عالميا بسبب تدني نسبة التمثيل النسائي البرلماني (٤،٧٪) والوزاري (١٣،٣٪). ويعود ذلك الى غياب اية تدابير مؤقتة كالكوتا إضافة الى النظام السياسي الطائفي الابوي والعائلي الذي يرعى تقاسم السلطة والثقافة الذكورية السائدة مما يحد من وصول النساء الى مراكز القرار السياسي، بالرغم من ان لبنان سجل المرتبة الاولى عالميا في تكافؤ فرص التعليم في المرحلتين الثانوية والجامعية.

وللمفارقة، بالرغم من تخطيه المعدلات العالمية أن على مؤشر التحصيل العلمي او الصحة والبقاء وهما أقرب إلى التكافؤ (٩٦،٤ ٪ و٩٦،٧٪ على التوالي)، فإن المشاركة والفرص الاقتصادية أبقت لبنان في المرتبة ١٣٩ مع ردم ٤٤،٢٪ فقط من الهوة، اذ ان القوى العاملة النسائية تبلغ ٢٦،٣٪ فقط كما ان اعداد النساء في المراكز القيادية في الإدارات متدنية ولا تتجاوز ال٨،٤٪.

يتوافق تحسين التمكين السياسي للمرأة، كقاعدة عامة، مع زيادة أعداد النساء في المناصب العليا في سوق العمل بسبب تأثير "نموذج الدور" role model، ولهذا نرى تلازما بين المؤشرين إضافة الى عوامل أخرى ابرزها التفاوت في الأجور بين الجنسين في القطاع الخاص، العمل الرعائي غير مدفوع الاجر، العدد المحدود من النساء في المجالات الأكثر دخلا كالتكنولوجيا، وفي الثقافة والتقاليد التي تنمط عمل المرأة، والمشكلة الدائمة المتمثلة في الحصول على رأس المال.

تكمن أهمية المساواة بين الجنسين في تأثيرها الأساسي على ازدهار الاقتصادات والمجتمعات وعلى زيادة الناتج المحلي الاجمالي. إن الاستثمار في نصف المواهب المتوفرة في العالم وتطويرها، له تأثير كبير على النمو و الانتاجية والقدرة التنافسية واستعداد الاقتصادات للمستقبل في جميع أنحاء العالم. ولهذه الأسباب وجب الاسراع في اتخاذ تدابير لتمكين المرأة الاقتصادي اذ انه لا يمكننا الانتظار ٢٥٧ عاما كما أشار التقرير من اجل التكافؤ بين الجنسين في هذا المجال.


ما أهمية هذه التصنيفات؟
تقدم تصنيفات المؤشر وسيلة فعالة لقياس التقدم. وهي مصممة لإيجاد وعي عالمي بالتحديات التي تطرحها الفجوات بين الجنسين، وكذلك الفرص التي تظهر عند اتخاذ إجراءات للحد منها.

على صناع السياسات وأصحاب المصلحة الآخرين وضع واعتماد السياسات والممارسات لتسريع عملية المضي قدما نحو المساواة في ظل العلاقة القوية بين الفجوة بين الجنسين في بلد وأدائه الاقتصادي لكي يظل هذا البلد قادرا على المنافسة الاقتصادية من خلال تنمية رأس المال البشري، وتبادل الخبرات، والتعاون بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع التنوع والشمولية التي تساهم في رفع مستويات الابتكار في المهن، وتوجيه الناشئة نحو سوق العمل المستقبلي من اجل مردود عادل.

واذا اردنا للبنان التقدم، على مجلس النواب إقرار منظومة قانونية تزيل العوائق وتمكن النساء وتحميهن. فالعدل مكون أساسي لتنمية اكثر شمولا واستدامة. وقد أشار تقرير الامم المتحدة حول "عدالة النوع الاجتماعي والقانون" الى ان ضمان المساواة أمام القانون لايزال يشكل تحديا مستمرا في جميع أنحاء المنطقة العربية، ودعا الى ردم الثغرات في التشريعات من خلال القوانين التي تحمي النساء من العنف الاسري والعنف الجنسي في اماكن العمل والأماكن العامة، والقوانين التي تضمن لهن المساواة والعدالة في الوصول الى الموارد ومنها قانون مدني للأحوال الشخصية تتساوى فيه الاناث والذكور في الزواج والطلاق الميراث، وقانون يكفل حق النساء في الاجر المتساوي عن نفس العمل الذي يحصل عليه الرجال وفي إجازة الامومة المدفوعة وفقا للمعايير الدولية، وتعديل القوانين المجحفة من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على التمييز كالتعديلات على قانون الضمان، وإقرار كوتا مرحلية في كافة المراكز المنتخبة والمراكز القيادية المعينة.
في كل مرة يطرح موضوع المرأة، نراه يدرج في اسفل لائحة الاهتمامات ولما يوضع يوما على جدول أولويات العمل اللبنانية لاعتبارات تربط بين تمكين المرأة وحمايتها وبعض الاعراف الدينية والعادات المنتشرة، حتى ان وزارة الدولة التي خصصت لشؤون المرأة لا تتمتع بادنى المقومات البشرية والمالية وقد يجري الغاؤها مع تقليص عدد الوزارات في الحكومة المقبلة.
وفي ظل الازمات التي نعيشها، ومع تأطير الدور الفاعل والقيادي للمرأة، عسى صانعو السياسات ان يستثمروا في ردم الفجوات الجندرية كسياسة اثبتت مردودها الاقتصادي والتنموي للمساهمة في خلاص لبنان ونهضته خلال أعوام نشهدها وليس بعد مئات السنين... وليتوقفوا عن قول "هذه المسائل ليست أولوية، ومش وقتها!" كلا يا سادة انتظرنا كفاية وهلق صار وقتها!


نشر هذا المقال في جريدة النهار(١)

Comments