Translate

عن ضريبة الامومة


كل شيء في لبنان عليه ضريبة، حتى الامومة.
هي ضريبة مرتفعة مفروضة على الكثيرات بسبب التشريعات والسياسات التي لا تنصف الامهات بشكل خاص والنساء بشكل عام.
يعتقد البعض انها الضريبة التي تدفعها الام اللبنانية المتزوجة من اجنبي حيث انها لا تستطيع منح أبنائها جنسيتها اللبنانية مما يضطرها إضافة الى التمييز والمعاناة النفسية، الى دفع رسوم إقامة وعمل، وعدم استفادة أبنائها من التقديمات الصحية والتربوية والاجتماعية وصولا الى هجرتهم لعدم توفر فرص العلم والعمل.
وتعتقد اخريات ممن يعانين من العنف بكافة اشكاله وتداعياته من الجسدي الى النفسي والتشريعي ان "ضريبة الامومة" قد تكون الثمن الذي يدفعنه من خلال السكوت عن العنف من اجل تجنب الوصمة الاجتماعية، او عدم خسارة حضانة الأبناء او المعيل. او الثمن الصحي والنفسي والاجتماعي الذي تدفعه طفلة تمت المتاجرة بها من خلال تزويجها وتحميلها مسؤولية الامومة وهي لاتتحمل مسؤولية نفسها. لكن السكوت عن العنف هو سبب لزيادة العنف ولافلات المرتكب من العقاب وهو يشكل ضريبة مضاعفة على المرأة وابنائها.
اما الأكثرية فتعتقد انه لا يوجد ضريبة امومة، انما الام تضحي وتسهر وتربي وتقدم كافة أنواع العناية، من ضمن واجباتها ومسؤوليتها، فهذا دورها في المجتمع.
ان "ضريبة الامومة" motherhood penalty في التعريف الاقتصادي هي الأثر الاقتصادي الذي تتكبده الام من خلال أدائها للدور الرعائي العائلي، حيث انها تضطر في كثير من الأحيان الى ترك عملها المدفوع الاجر من اجل العناية باولادها وتربيتهم مما يؤثر سلبا على مسار تقدمها العملي والانتاجي، وعلى دخلها وعلى مستوى مشاركتها في الحياة الاقتصادية وتبعا في الناتج المحلي.
وتظهر الاحصائيات في لبنان ان الاناث يدخلن الى سوق العمل بنسبة تبلغ حوالي ال٤٠٪ بعد التخرج لتهبط مشاركتهن في سوق العمل هبوطا حادا بعد انجاب اول طفل الى ٢٠٪ وتعود للارتفاع بشكل طفيف بعد سن الاربعين أي بعد ان يكبر الأطفال وتخف أعباء الأدوار الرعائية.

لا تقتصر "ضريبة الامومة" على سبب واحد بسيط، بل يمكن ربطها بالعديد من النظريات والمفاهيم المجتمعية.
 قد يعرقل الانجاب وتربية الأطفال التعلم والتدريب اثناء العمل، كما تواجه الامهات مخاطر متزايدة لفقدان العمل بسبب التحديات للعثور على رعاية جيدة النوعية، موثوقة، وباسعار مدروسة.
يشكل هذا الانقطاع عن العمل واحد من ابرز الحواجز لتمكين المرأة اقتصاديا. فخبرتها العلمية والعملية تشهد انقطاعا او تدنيا في المشاركة يمنعها من تراكم الخبرات، والترقي، والتدرج، ومواكبة تطور الاعمال من اجل الوصول الى المراكز القيادية، ويؤثر على ثقتها بنفسها وقدراتها التي قد لا تعود ملائمة لسوق العمل.
ويلعب عمر الام دورا في مدى تأثرها بهذه "الضريبة". فنجد ان الكثير من النساء يؤخرن سن الانجاب او يفضلن عدم الانجاب من اجل الاستمرار في تكريس كامل وقتهن للتقدم العملي. اذ ان المسيرة المهنية للمرأة التي تختار الانجاب في سن صغيرة، تتأثر بشكل اكبر من التي تختار الانتظار الى ما بعد إرساء مسيرتها المهنية. وهذا التمييز ينبع من المعتقدات حول قدرة المرأة على "الاختيار، السيطرة والاستقلالية"، وعلى التوقعات الجندرية من "الام المثالية" وعلى تصور " العامل المثالي" وهو موظف متاح ومخصص للوظيفة 24/7 وهو تصور لا يناسب الأمهات والأفراد ممن لديهم مسؤوليات تقديم الرعاية. فرفض العمل لساعات اضافية أو أخذ وظائف تتطلب الكثير من السفر، قد يعكس لصاحب العمل ان المرأة تختار الامومة على المهنة ويتسبب هذا الاعتقاد في تدني نسبة توظيف الامهات وفي ازدواجية المعايير في حال استخدامهن حيث انه يتم تقييم أداء الامهات في العمل بصرامة اكبر اذ يتوقع من الامهات اثبات التزامهن في العمل وكفاءتهن وجدارتهن اكثر من غيرهم من العاملين. كما ان الام العاملة قد تضطر للتضحية والقبول بمردود مالي اقل (مرتب ادنى) مقابل ساعات عمل اقل واكثر مرونة وتساهلا.
نتج عن ذلك فجوة في الأجور بين النساء العاملات من الامهات وغير الامهات.  وجدت الأبحاث التي ركزت على فجوة الأجور بين الأمهات وغير الأمهات في مكان العمل الى تدني الاجر 4٪ لطفل واحد و12 ٪ من طفلين أو أكثر، حتى بعد السيطرة على الاختلافات في التعليم، والخبرة العملية، والعمل بدوام كامل مقابل حالة وظيفة بدوام جزئي. وقد تجاوزت فجوة الأجور بين الأمهات وغير الأمهات فجوة الأجور بين النساء والرجال. وهي تعتبر كبيرة بالنسبة لفجوة الأجور بين الجنسين لان الدراسات وجدت ان الامهات العاملات هن اللواتي يشكلن معظم الفجوة في الأجور بين الجنسين وأن الموظفين يتعرضون للتمييز ليس فقط بسبب جنسهم، ولكن بسبب دورهم الجنسي.
من اجل رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل وإزالة التمييز ضدها، على الدولة وارباب العمل وضع سياسات "مصالحة" وهي تتضمن سياسات رعائية اجتماعية وقوانين تساهم في تمكين وتعزيز دور المرأة الاقتصادي لما له من عائد على التنمية الاقتصادية.
وتشمل هذه السياسات الرعاية الاجتماعية مثل إجازة الابوين، سياسات رعاية الأطفال المدعومة، سياسات وقت العمل المرن والعمل عن بعد، برامج إعادة ادماج الامهات في سوق العمل، وقوانين المساواة في الأجور وتعريف العمل اللائق والعمل الغير مهيكل، وحماية الموظفات العائدات من إجازة الامومة.
تهدف هذه السياسات الى تحسين الفرص الاقتصادية والمساواة من خلال رفع القيود وتخفيف الضغوط وتغيير المعايير الاجتماعية بالنسبة لادوار الجنسين، وتساهم في منح الامهات فرصة للتقدم في مكان العمل مع ضمان حصول اسرهن على الرعاية المناسبة. وتدعم التوازن بين العمل والاسرة والتوفيق بين الأدوار كاولياء أمور وعاملين.
من هذا المنطلق، بدأت الحكومة اللبنانية بوضع بعض التشريعات والقوانين كقانون اجازة الابوة وأوقات العمل المرنة ومعاقبة عدم المساواة في الاجور. وهي تتعاون مع الجهات الدولية وعلى رأسها مجموعة البنك الدولي لتنفيذ خطة وطنية لتمكين المرأة الاقتصادي ورفع نسبة مشاركتها في سوق العمل والعمل على ازالة العقبات التي تحول دون ذلك، كما استحدثت وزارة دولة للتمكين الاقتصادي للمرأة والشباب كي لا تكون الضريبة ضريبتان " هجرة الشباب" بعد معاناة الامهات...

 نشر في جريدة النهار (*)

Comments